نظرية التعلم الاجتماعي (Social Learning Theory) التي وضعها عالم النفس الشهير ألبرت باندورا هي نظرية تتمحور حول كيفية اكتساب الأفراد لسلوكيات جديدة من خلال التعلم بالملاحظة والتقليد. ولهذه النظرية آثار بعيدة المدى، إذ سطع نجم هذه النظرية في مجالات شتى، ليس فقط في علم النفس ولكن أيضًا في التعليم، لأنها تسلط الضوء على التفاعل المعقد بين البيئة والإدراك والسلوك. وفي هذا المقال سوف نوضح ما هي نظرية باندورا في التعلم الاجتماعي، ونستكشف التطبيقات التربوية للنظرية، ونضرب مثالًا لتوضيح مبادئها، وأخيرا سنتعرف على أبرز الرواد الذين أسهموا في تطوير نظرية التعلم الاجتماعي.
قائمة المحتويات
ما هي نظرية باندورا في التعلم الاجتماعي؟
نظرية باندورا للتعلم الاجتماعي تنص على أن التعلم يمكن أن يحدث ببساطة من خلال مراقبة تصرفات الآخرين، وهذا على خلاف ما تنص عليه نظريات التعلم السلوكي الأخرى التي تعتمد الخبرة كمصدر للتعلم. أي أن النظرية تفترض أن السلوك الاجتماعي يُكتسَب من خلال ملاحظة الآخرين وتقليدهم، وعلى هذا فالتعلم بالملاحظة له دور محوري في اكتساب مهارات وأفكار وسلوكيات جديدة.
وقد وضع أسس هذه النظرية عالم النفس الأمريكي الشهير ألبرت باندورا Albert Bandura. بين عامي 1961 و1963، أجرى ألبرت باندورا تجاربه العلمية ليرى ما إذا كان من الممكن تعلم السلوكيات الاجتماعية من خلال الملاحظة والتقليد، فأجرى تجربة دمية بوبو، والتي أظهرت أن الأطفال يمكن أن يتعلموا السلوك الاجتماعي – مثل العدوانية – من خلال ملاحظة سلوك شخص آخر.
وتجربة دمية بوبو هي مجموعة من التجارب التي تضمنت دراسة سلوك الأطفال بعد أن شاهدوا شخصًا كبيرًا يتصرف بعدوانية تجاه دمية. كان العنصر الأهم في التجربة هو رصد كيفية تصرف الأطفال بعد رؤية الشخص الكبير يحصل على مكافأة أو يعاقب بعقوبة أو لا يلقى أي جزاء نتيجة للعنف الذي مارسه على دمية بوبو. وساعدت هذه التجارب في إظهار كيف يمكن أن يتأثر الأطفال بالتعلم من سلوك الآخرين. وقد كانت الغاية من تلك التجارب هي الوصول لنتائج مفيدة في جانب التطوير السلوكي للطلاب.
ما مراحل التعلم الاجتماعي؟
حدد ألبرت باندورا أربع مراحل أساسية لنظرية التعلم الاجتماعي، تتمثل في خطوات أو عوامل متتابعة تشكل عملية التعلم الاجتماعي، تبدأ بالانتباه إلى نموذج معين تراه وتلاحظه، ثم حفظ ذلك النموذج في ذهنك، ثم تأتي مرحلة الإنتاج أو القدرة على الأداء، وأخيرًا الدافعية للأداء.
1. الانتباه Attention
الانتباه هو العنصر الأول وخطوة البداية في عملية التعلم الاجتماعي، إذ ينبغي أن يولي الشخص كامل انتباهه إلى نموذج معين يراد تقليده، يكون هذا النموذج مميزًا في شيء بحيث يلفت الانتباه، سواء كان إيجابيًا أو سلبيًا. على سبيل المثال، إذا أحس الشخص أن ثمة شيء شيق أو جديد، فسوف يوليه اهتمامًا أكبر من الاهتمام العادي ليكون قادرًا على محاكاته.
2. الحفظ Retention
الحفظ هي المرحلة التالية لمرحلة الانتباه، فالمتعلم يجب أن يسجل السلوك المرصود ويحفظه في ذاكرته، بحيث يكون الراصد قادرًا على استحضار ما رآه وتكراره، وهذا يقتضي تمتع الراصد بذاكرة قوية تساعده على تخزين هذه المعرفة الجديدة من أجل استرجاع الأحداث عند الحاجة ووضعها موضع التنفيذ.
3. القدرة على الإنتاج Reproduction
القدرة على الإنتاج هي المرحلة الثالثة، فبعد الانتباه للنموذج المرئي وحفظ وتخزين المعلومات المرصودة يحين وقت التطبيق، ولكن لا بد من أن يتمتع الراصد بالقدرة على استنساخ الفعل في أرض الواقع وإدخاله حيز التنفيذ. ويرى الباحثون أن عملية التعلم الاجتماعي تكون قد تمت في هذه المرحلة بصرف النظر عما إذا تجلى السلوك على أرض الواقع أم لا.
4. الدافعية للأداء Motivation
الدافعية للأداء هي الخطوة الأخيرة، فامتلاك القدرة لا يعني بالضرورة أن يطبق الراصد السلوك الذي رصده، بل يجب أن يكون عنده حافز يدفعه إلى تقليد ما تعلمه. لاحظ أن الدافع يتأثر بالإثابة والعقوبة، وبما أن الشروط الأربعة قد تختلف بين الناس فإن السلوك الواحد قد يعتريه اختلاف حين يدخل حيز التنفيذ.
ما أبرز التطبيقات التربوية لنظرية التعلم الاجتماعي؟
التطبيقات التربوية لنظرية التعلم الاجتماعي تعود بآثار إيجابية كبيرة على مخرجات التعلم، لكن يبقى السؤال، كيف يمكن تطبيق نظرية التعلم الاجتماعي في الفصل الدراسي؟ يسعى المعلمون والمدربون إلى معرفة إجابة هذا السؤال من أجل الارتقاء بنتائج التعلم وإفادة الطلاب بأقصى قدر ممكن من الفوائد. وأساليب التدريس والاستراتيجيات التي يستخدمها المعلمون، بالإضافة إلى بيئة الفصل الدراسي، كلها عوامل مؤثرة في مخرجات التعلم.
دعونا نلقي نظرة على بعض التطبيقات التربوية لنظرية باندورا في التعلم الاجتماعي داخل الفصول الدراسية:
نظرية التعلم الاجتماعي وسلوكيات الطلاب
الإدارة الجيدة للفصل الدراسي هي مفتاح نجاح التدريس ونجاح عملية التعلم. وإلا فستكون فوضى تعيق المعلم والطلاب. ويمكن استخدام نظرية التعلم الاجتماعي للحث على السلوكيات المرغوبة في الفصل الدراسي من خلال استخدام المكافآت والإثابة لتحفيز الطلاب على التزام السلوكيات الحسنة، واستخدام العقاب لردع السلوكيات السيئة.
على سبيل المثال، الطالب الذي يتلقى إشادة لمشاركته في الإجابة من المرجح أن يكرر هذا السلوك. فضلًا عن ذلك، سوف يحذو زملاؤه حذوه ويرفعون أيديهم بعد ملاحظة أن السلوك أدى إلى نتيجة إيجابية.
وعلى النقيض من ذلك، فإن الطالب الذي يتلقى توبيخًا بسبب سلوك مستنكر تقل احتمالات تكراره لهذا السلوك، وتقل احتمالات تقليد زملاؤه لهذا السلوك أيضًا، لأنهم يريدون تحاشي العواقب السلبية الناجمة عن هذا السلوك.
نظرية التعلم الاجتماعي وأساليب التدريس
كما أسلفنا الذكر، فأحد العناصر الأساسية لنجاح التعلم بالملاحظة يتمثل في أن يكون الراصد مركزًا انتباهه على استيعاب السلوك. ولذلك، فمن المهم أن يحوذ المعلم كامل انتباه الطلاب قبل عرض أي معلومات لهم. ولتحقيق ذلك، يوصى بأن يكون مستوى الدروس مناسب وجذاب قدر الإمكان للحفاظ على انتباه الطلاب.
وكذلك، فحفظ السلوكيات وتخزينها في الذاكرة عنصر أساسي في عملية التعلم الناجح، وكما نعلم فأنماط تعلم الطلاب متنوعة، ولذا، فإحدى الطرائق التي يمكننا من خلالها مساعدة الطلاب على تخزين المعلومات والسلوكيات في ذاكرتهم هي دمج أكبر عدد ممكن من الأنشطة المختلفة في عملية التدريس. فالنهج الذي يؤدي إلى إشراك حواس عديدة يزيد من معدل ثبات المعلومة.
على سبيل المثال، أثناء تدريس الدرس شفهيًا يمكن استخدام الوسائل البصرية للمساعدة في تعزيز رسوخ المعلومات في ذهن الطلاب.
نظرية التعلم الاجتماعي والتعاون بين الطلاب
في الفصول الدراسية لا يقتصر تعلم الطلاب على مراقبتهم للمعلم، بل تتم عملية التعلم أيضًا من خلال مراقبتهم لزملائهم، ولهذا فإن إشراك الطلاب في أنشطة جماعية يعود بفوائد جمة.
على سبيل المثال، يهيئ المعلم تعاونًا بين طالب متفوق مع طالب ضعيف القدرات. أو يضع طالبًا خاملًا في مجموعة تضم طالبًا شديد الحماس، بحيث ينتقل تأثير حماس الطالب إلى زميله. وهذه استراتيجية مفيدة وفعالة جدًا تُستخدم في الفصول الدراسية حاليًا، إذ من المرجح أن يهتم الطلاب بتقليد زملائهم أكثر من اهتمامهم بتقليد شخص كبير.
وهذا يدفع أيضًا باتجاه استعمال الألعاب في عملية التعلم، فأنشطة اللعب تحفز تفاعل الطلاب مع بعضهم بعضًا، وهذا يزيد من انتباههم وانخراطهم في التجربة التعليمية، كما أنه يجعل الطلاب ضعاف القدرات يقتدون بالطلاب المتميزين، مما يعود بالنفع على مخرجات التعلم في نهاية المطاف.
مثال على نظرية التعلم الاجتماعي
إليك مثال على نظرية التعلم الاجتماعي لتوضيح الفكرة أكثر. في أحد الفصول الدراسية بالمدرسة الإعدادية يطلق المعلم مبادرة لمواجهة ظاهرة التنمر بين الطلاب، وتعتمد المبادرة على مبادئ نظرية التعلم الاجتماعي.
يبدأ المعلم باختيار الطلاب المتميزين البارزين المعروفين بسلوكهم الإيجابي وحسن أخلاقهم، أولئك الطلاب يعتبرون نماذج يقتدي بهم بقية الطلاب ويميلون إلى تقليدهم. ثم يجعل أولئك الطلاب المتميزون يشاركون في أنشطة ومناقشات تبرز السلوكيات الاجتماعية الإيجابية وأهمية التحلي باللطف والعطف في التعاملات.
وطوال فترة المبادرة يركز المعلم على تعزيز السلوكيات الإيجابية، وذلك من خلال الإشادة وإظهار التقدير وتقديم الجوائز والمكافآت للطلاب الذي يظهرون التزامًا بسمات اللطف والعطف.
وفي الوقت ذاته يعاقب المعلم من يظهرون سلوكيات سلبية، فيلاحظ الطلاب تبعات تلك السلوكيات، مثل نفور زملائهم منهم أو تذمر المعلم أو إقصائهم من الأنشطة نتيجة لسلوكياتهم السلبية.
وهكذا يتعلم بقية الطلاب بالملاحظة والمراقبة أن السلوكيات السلبية لها تداعيات سيئة، والسلوكيات الإيجابية تعود على صاحبها بمزايا وفوائد، وبمرور الوقت سينخفض معدل التنمر داخل الفصل الدراسي، وتتجه عقلية الأطفال نحو ثقافة الاحترام والتعاون.
من هم أبرز رواد نظرية التعلم الاجتماعي؟
صحيح أن ألبرت باندورا هو الشخصية الرئيسية المرتبطة بهذه النظرية، لكن هناك العديد من العلماء الذين قدموا مساهمات كبيرة في تطويرها وتطبيقها. وفيما يلي نبذة عامة عن بعض أبرز العلماء الذين ساهموا في نظرية التعلم الاجتماعي:
نيل ميلر وجون دولارد
تعاون نيل ميلر مع جون دولارد في وضع نظرية تعرف باسم نظرية التعلم الاجتماعي قبل نظرية باندورا، وقد أكد نتاجهم العلمي على دور الثواب والعقاب في تشكيل السلوك، مما مهد الطريق لمساهمات باندورا اللاحقة. وتناولا في كتابهما “التعلم الاجتماعي والتقليد Social Learning and Imitation” دور التقليد والثواب والعقاب في التعلم.
جوليان روتر
جوليان روتر عالم نفس أمريكي عمل على توسيع آفاق نظرية التعلم الاجتماعي وتعميقها، وذلك من خلال تقديم المفهوم المعروف بوجهة الضبط أو مركز التحكم Locus of Control. واقترح أن الناس يختلفون في قناعاتهم بشأن مدى قدرتهم على التحكم في أحداث حياتهم والتأثير فيها، مما يؤثر بدوره على سلوكهم.
روبرت سيرز
تعاون الطبيب الأمريكي روبرت سيرز مع ألبرت باندورا وريتشارد والترز في إنجاز تجارب دمية بوبو الشهيرة، والتي أظهرت أن الأطفال يمكن أن يتعلموا السلوك الاجتماعي – مثل العدوانية – من خلال ملاحظة سلوك شخص آخر، وهو ما ساهم إسهامًا ملموسًا في فهم التعلم بالملاحظة.
كلارك هال
اشتهر كلارك هال بنظرية الحافز في التعلم، والتي تنص على أن السلوك الإنساني يحدث نتيجة تفاعل مستمر بين الكائن الحي والبيئة.
وقد أثر نتاجه العلمي على الصياغات المبكرة لنظرية التعلم الاجتماعي، وأقر ألبرت باندورا بمساهمات هال.
رونالد أكيرز
عمل رونالد أكيرز على توسيع نطاق نظرية التعلم الاجتماعي، وذلك من خلال دمج مفاهيم من نظرية الارتباط المغاير أو الاختلاط التفاضلي Differential Association Theory. تفترض نظريته أن السلوك الإجرامي يُكتسَب من خلال الارتباطات المباشرة وغير المباشرة مع الآخرين، وقد عززت نتائج نظرية التعلم الاجتماعي.
أنشى منصتك التعليمية مع زامن
ما ناقشناه حتى الآن يثبت قيمة تطبيق نظرية التعلم الاجتماعي في التعليم، لا سيما في ضوء ثورة التعلم التي أحدثتها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في عصرنا الحالي.
ففي العصر الرقمي توفر المنصات الإلكترونية والتقنيات التعليمية الحديثة سبلًا جديدة للتعلم الاجتماعي، إذ تعمل الفصول الدراسية الافتراضية ومنتديات المناقشة وموارد الوسائط المتعددة التفاعلية على تسهيل التعلم القائم على الملاحظة، وهو ما تتمحور حوله نظرية التعلم الاجتماعي.
ونهدف في زامن إلى أن نكون جزءًا من هذه الثورة التعليمية، وذلك من خلال تقديم خدمات استضافة المنصات التعليمية والدورات التدريبية والفصول الافتراضية وتوفير وتصميم أنظمة إدارة التعليم الإلكتروني بكفاءة عالية وأسعار تنافسية.
تواصل معنا الآن لتصميم تجربتك التعليمية المميزة بإبداع وأمان، اطلع على باقة الأسعار والاشتراكات واستفسر منا عن أحدث العروض التي نقدمها لعملائنا.